ranasamaha
عدد المساهمات : 115 تاريخ التسجيل : 30/09/2012
| موضوع: حوار الكبار .. الصغار الإثنين يناير 28, 2013 3:24 am | |
|
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] عندما كتب فيلسوف الإسلام "الغزالي" كتابهالشهير "تهافت الفلاسفة" كان يقصد كل الفلاسفة لا فيلسوفًا محددًا. فقد كان يرىأن لفلسفة العلم منطقها، أما التفلسف في الغيبيات وما ورائها، فهو نوع منالتنطع والاستكبار. ويظن كثيرون أن كتاب "تهافت التهافت" لـ"ابن رشد" هو ردفعل سريع على "الغزالي"، وهذا غير صحيح. فلم يتزامن العالمان مطلقًا، ولميتحاورا أو يتجاورا. فقد كانت لكل منهما رؤيته وطروحاته، وكان المنطق هو الحكمالعدل بينهما. ولذا يعتبر كتاباهما حوارًا بين الكبار.
ما نشهده اليوم من اتصال وتفاعل بين بني البشر أو بين أجهزتهم الإلكترونيةوالإعلامية ليس حوارًا، وإن اعتبرناه كذلك فهو حوار الصغار. هو حوار بين رؤوسكبيرة وكروش أكبر؛ بين سياسيين واقتصاديين ومفكرين وناخبين وممثلين للشعوب،ومعذبين للقلوب، ومرتكبين للذنوب. في كل أنحاء العالم تدور اليوم حوارات بينطرشان يتكلمون ولا يسمعون بالأذنين، وبين عميان لا يرون رأي العين.
في الكونجرس الأمريكي الذي يفترض أنه نتاج تجربة ديموقراطية عمرها أكثر منقرنين، وأن حواراته تدور بين خبراء وعلماء ومثقفين محترمين، حدثت مشادات وأطلقتشتائم لا نسمعها إلا في الشوارع الخلفية وفي بعض المباريات الرياضية. فقداستخدم رئيس مجلس النواب تلك الكلمة القذرة التي نتعفف عن ذكرها وهو يخاطب زعيمالأغلبية في مجلس الشيوخ في أثناء مناقشة السياسة المالية والعراك علىالميزانية. فقد كاد الكونجرس الأمريكي يدفع بـ"أمريكا" والعالم إلى الإفلاسلأن الجمهوريين اليمينيين لا يطيقون التنازل للديموقراطيين الليبراليين، لالشيء، إلا لأن رئيسهم أسود ولون شعارهم أزرق. حتى علماء الاقتصاد في جامعات "هارفارد" و"كاليفورنيا" و"نيويورك" انقسموا إلى طائفتين تبعًا لانتماءاتهمالحزبية، وتجاهلوا الحلول العلمية، وراح كل طرف يكيل التهم إلى الآخر دوناعتبار لأخلاق العلماء، أو اهتمام بمستقبل الأمة.
نجت "أمريكا" من السقوط المريع في اللحظة الأخيرة وفي أثناء العد التنازلي حينأذعن الطرفان إلى حل وسط لم يرض أحدًا، وستكون له تداعيات خطيرة على المدىالبعيد. كان حلاً إعلاميًا وانتخابيًا لا استراتيجيًا؛ دون تفهم أو تفاهم أوأخلاق. فـ"أمريكا" غارقة في الديون الداخلية والخارجية، ويرفض الجمهوريونالحمر رفع الضرائب التي خفضها "جورج بوش"، بينما يطالب الديموقراطيون بزيادةالإنفاق، وهو أمر يستدعي إما مزيدًا من الاستدانة أو رفعًا للضرائب أو الاثنينمعًا. وتمسك كل طرف بنظريته ودافع بحرارة ثم بقذارة عن مواقفه، مفضلاً أن يفوزحزبه على المدى القصير، على أن تنجو بلاده على المدى الطويل.
نفس هذا السيناريو يتكرر أيضًا على المستوى الإقليمي؛ مؤكدًا أن العالم يعانيمن أزمات في القيادة والقيم والأخلاق والمعرفة والفلسفة والإدارة وفي جوهرالحضارة. ففي "مصر" يريد نصف الشعب معاقبة نصفه الآخر؛ النصف الأول بالاستحواذعلى كل شيء، والنصف الثاني برفض كل شيء. والنتيجة هي طبعة جديدة وغير منقحة منحوار الطرشان. وفي "الأردن" يطالب الشعب بالديموقراطية في المضافات العشائرية،ويحلم بانتخابات شفافة عبر "صدور الكنافة". وكلما تواجه المال والضمير، والغنيوالفقير، والمصلحة والواجب، تعلو العين على الحاجب، ويفوز التفكير القصير علىالفكر المستنير. فما نقوله في الجلسات والمقالات، ننساه أو نتناساه؛ فنقدمالقبيلة على القيم، والشخصي على العام، والماضي على المستقبل.
هناك حالة تزوير للمستقبل وتدمير مقصود للضمير، وكأننا نعيش عصر الجاهليةالإلكترونية وعلى مبدأ: "انصر أخاك ظالمًا أو مظلومًا". حالة من اللاوعي الجمعيتسوق العالم بسلوك القطيع إلى نهاية ستحول الملهاة إلى مأساة. في تقديري أنالعالم فقد رغبته في النجاة والاستمرار في الحياة. هناك حالة غباء وتشدق تسيطرعلينا؛ هو نتاج لاوعي بالذات وعدم إدراك لوجود الآخر.
في محاضرة علمية لـ "ستيفن باترانك" على موقع TED.COM عدد عشرة أسباب سيكتب أحدها نهاية العالم. تفاوتت أسبابه بين الفيزيائي والبيولوجي والفلكيوالبيئي والطبي، ومعظمها أسباب خارجية وأقلها من صنع الإنسان. ولكن أرى أنالعالم سينتهي بنا على أيدينا. لقد فقد العالمان المتحضر والمتحجر الرغبة فيالبقاء، وسيطر علينا سلوك قطيعي غبي، فانقسم عالمنا إلى نصفين، يلعب كل نصفدوره نصف الوقت. فعندما يقرر نصف العالم ألا يسمع، لا يستطيع نصفه الآخر أبدًاأن يتكلم. هذا ما يحدث الآن بين "أوروبا" و"بريطانيا"، وبين "كوريا" و"كوريا"،وبين "سوريا" و"سوريا"، وبين "السودان" و"السودان"، وبين "الصين" و"اليابان"،وبين العرب و"إيران"، وبين "تركيا" و"اليونان"، وبين "الهند" و"باكستان"، وبينيوبين "طارق سويدان". وهو نفس ما يحدث بين الشرق والغرب، وبين الجنوب والشمال،وبين المنطق والخيال. حالة من عدم الإدراك واللاوعي تجعل قطيعًا وحزبًا ودولةوقارة تقول للمخطئ أصبت، وللمصيب أخطأت؛ ويتم تقرير الواقع وبناء المواقع؛ علىأساس بلا أساس. نسيم الصمادي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] | |
|